2014م - 1444هـ
على مدى ربع قرن ومن خلال تسعة عناوين تعددت طبعاتها، وبدءاً بتوفيق الحكيم ومروراً بنجيب محفوظ وانتهاءاً بعبدالرحمن منيف وحنا مينه، تخصص جورج طرابيشي في نقد الرواية وكان له السبق في الثقافة العربية إلى توظيف المنهج التحليلي النفسي في فهم الفن الأكثر تعبيراً عن غياهب النفس البشرية الذي هو الفن الروائي، بدون أن يكون أسيراً لحرفية ذلك المنهج.



فليس النقد تطبيقاً لمنهج بعينه على النص الروائي، بل النص الروائي هو مايفرض على الناقد المنهج الذي يتعين عليه أن يتعامل به معه.



والتحليل النفسي يخضع لهذه القاعدة، فهو ليس برسم التطبيق الجاهز، بل هو بالأحرى برسم إعادة الاختراع وإعادة التآويل بدالة النص الروائي.



ومع أن النقد هو بالتعريف كلام ثانٍ على كلام أول حسب تعبير أبي حيان التوحيدي، فإن النقد الروائي، مهما التزم بالمنهجية، لا يستمد مصداقيته إلا بقدر مايكون بدوره إبداعياً، لا تطبيقاً خالصاً.



حصاد ربع قرن من موسم الهجرة هذا إلى نقد الرواية تقدمه دار مدارك في ثلاثة أجزاء.



الجزء الاول: لعبة الحلم والواقع، الله في رحلة نجيب محفوظ، شرق وغرب، رجولة وأنوثة..



الجزء الثاني: في هذا الجزء يواصل جورج طرابيشي تقفي الأثر الأدبي للأعمال الأدبية الخالدة لكل من : نوال السعداوي، سميرة عزام ، عبدالرحمن منيف، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم ، عبدالسلام العجيلي و ألبرتو مورافيا. مستخدما عدة مناهج في تفصيل وتفكيك ماهية الفكر الذي اشتغل عليه الكاتب في النص، وأكثرها حضوراً منهج التحليل النفسي ممثلة ب- " السيكولوجيا الآدلرية والسيكولوجيا الفرويدية".



أذكر هنا على سبيل المثال المقاربة التي اشتغل عليها جورج طرابيشي بالنقد والتحليل ل- نموذجان في أدب الرجولة: شرقي وغربي- بين رواية الشيخ والبحر لإرنست همنغواي -و حين تركنا الجسر ل- عبدالرحمن منيف، والتي كانت برأيي من أجمل ما تناوله جورج طرابيشي في "تحليل الأدب من الداخل" على الصعيد الميتولوجي- الفلسفي و البنية المورفولوجية مع مراعاته لعدم إهمال الفوارق الدقيقة بينهما كالموقف البروميثيوسي.



حقيقة جورج طرابيشي تجاوز النقد الأدبي الرصين الذي يهتم بجماليات النص وعيوبه الى النقد الثقافي بأوجهه النظرية والمنهجية المتعددة والذي يهتم بما هو مضمر في النص، كالدراسة اللغوية للأبنية النصية و تحليل المظاهر المتنوعة لجميع أشكال التواصل النصي وإرهاصاته كالشحنات الدلالية للكلمات والتراكيب وما يغزوها من معاني سديمية.



الجزء الثالث: مع هذا الجزء الثالث والأخير من الأعمال النقدية الكاملة ل- جورج طرابيشي أنهي الرحلة مع " أربعة وجوه روائية" : محمد ديب، حنا مينه، نوال السعداوي و مبارك ربيع.



المجموعة في أجزائها الثلاثة احتفلت ب-نحو تسعين رواية ومجموعة قصصية عربية.



تمكن جورج طرابيشي من خلق عين ثالثة تجعل القارئ يبصر عري الداخل قبل عري الخارج.



المجموعة قيمة لكل المهتمين بقراءة ودراسة الأدب بتجرد.